فصل: كِتَابُ اللِّعَانِ وَمَا يَلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْمًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ]:

(فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْمًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ، وَلَوْ رُجِيَ بُرْؤُهُ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ (أَوْ يَخَافُ زِيَادَتَهُ) أَيْ: الْمَرَضِ (أَوْ تَطَاوُلَهُ) بِصَوْمِهِ (أَوْ) لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْمًا (لِشَبَقٍ) لَا يَصْبِرُ فِيهِ عَنْ جِمَاعِ الزَّوْجَةِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهَا، أَوْ لِضَعْفٍ عَنْ مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا (أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} وَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ بِالصَّوْمِ قَالَتْ امْرَأَتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ: «فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» وَلَمَّا أَمَرَ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ بِالصِّيَامِ قَالَ: وَهَلْ أَصَبْت مَا أَصَبْت إلَّا مِنْ الصِّيَامِ؟ قَالَ: «فَأَطْعِمْ»، فَنَقَلَهُ إلَيْهِ لَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بِهِ مِنْ الشَّبَقِ وَالشَّهْوَةِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّوْمِ. وَقِيسَ عَلَيْهِمَا مَنْ فِي مَعْنَاهُمَا. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمِسْكِينُ (مُسْلِمًا حُرًّا) كَالزَّكَاةِ (وَلَوْ أُنْثَى وَلَا يَضُرُّ وَطْءُ مُظَاهَرٍ مِنْهَا أَثْنَاءَ إطْعَامٍ) نَصًّا، (وَ) كَذَا أَثْنَاءَ (عِتْقٍ)؛ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ وَطِئَ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ وَأَعْتَقَهُ فَلَا يَقْطَعُهُمَا وَطْؤُهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ قَبْلَ الْإِتْمَامِ. (وَيُجْزِئُ دَفْعُهَا) أَيْ: الْكَفَّارَةِ (لِصَغِيرٍ مِنْ أَهْلِهَا) كَمَا لَوْ كَانَ كَبِيرًا (وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ) لِأَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ مُحْتَاجٌ؛ أَشْبَهَ الْكَبِيرَ (وَيَقْبِضُ لَهُ وَلِيُّهُ) وَكَذَا الزَّكَاةُ. وَتَقَدَّمَ، وَأَكْلُهُ لِلْكَفَّارَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيُصْرَفُ مَا يُعْطَى لِلصَّغِيرِ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّا تَتِمُّ (بِهِ) كِفَايَتُهُ (وَ) يُجْزِئُ دَفْعُهَا (لِمُكَاتَبٍ) لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَشْبَهَ الْحُرَّ الْمِسْكِينَ (وَإِلَى مَنْ يُعْطَى مِنْ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ) كَفَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ وَابْنِ سَبِيلٍ وَغَارِمٍ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ وَالْغَارِمَ كَذَلِكَ يَأْخُذَانِ لِحَاجَتَيْهِمَا؛ فَهُمَا فِي مَعْنَى الْمِسْكِينِ، وَتُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى (مَنْ كَانَ مِسْكِينًا، فَبَانَ غَنِيًّا) كَالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْغِنَى مِمَّا يَخْفَى. (وَلَا يُجْزِئُ) إنْ دَفَعَهَا (إلَى حُرٍّ، فَبَانَ نَحْوُ قِنٍّ) كَأُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى كَافِرٍ كَالزَّكَاةِ. (وَيَجُوزُ) دَفْعُهَا (إلَى مِسْكِينٍ) وَاحِدٍ (فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ) لِأَنَّهُ دَفَعَ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ إلَى الْعَدَدِ الْوَاجِبِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ فِي يَوْمَيْنِ، (وَلَا) يُجْزِئُ دَفْعُ كَفَّارَتِهِ (إلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ) لِاسْتِغْنَائِهِ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ النَّفَقَةِ، وَلِأَنَّهَا لِلَّهِ؛ فَلَا يَصْرِفُهَا لِنَفْعِهِ (وَلَا) يُجْزِئُ (تَرْدِيدُهَا عَلَى مِسْكِينٍ) وَاحِدٍ (سِتِّينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ) مِسْكَيْنَا (غَيْرَهُ) فَيُجْزِئُهُ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ، وَتَرْدِيدُهَا إذَنْ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي مَعْنَى إطْعَامِ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ حَاجَةَ الْمِسْكِينِ فِي كُلِّ يَوْمٍ؛ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدًا، فَكَأَنَّهُ أَطْعَمَ الْعَدَدَ مِنْ الْمَسَاكِينِ؛ وَالشَّيْءُ بِمَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ بِصُورَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهَا وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْأَبْدَالُ؛ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُبَدَّلَاتِ فِي الْمَعْنَى. (وَلَوْ قَدَّمَ) نَحْوُ مُظَاهِرٍ (إلَى سِتِّينَ) مِسْكِينًا (سِتِّينَ مُدًّا) مِنْ بُرٍّ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ بَاقِي مَا يُجْزِئُ (وَقَالَ: هَذَا بَيْنَكُمْ، فَقَبِلُوهُ، فَإِنْ قَالَ بِالسَّوِيَّةِ؛ أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ، (وَإِلَّا) يَقُلْ بِالسَّوِيَّةِ؛ (فَلَا) يُجْزِئُهُ (مَا لَمْ يَعْلَمْ) مُكَفِّرٌ (أَنَّ كُلًّا) مِنْ الْمَسَاكِينِ (أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ) مِمَّا قَدَّمَهُ لَهُمْ؛ فَيُجْزِئُهُ؛ لِحُصُولِ الْعِلْمِ مِنْ الْمَسَاكِينِ بِالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ. (وَالْوَاجِبُ) فِي الْكَفَّارَاتِ (مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ مِنْ بُرٍّ مُدٌّ، وَمِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: الْبُرِّ وَهُوَ الشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ (مُدَّانِ)، وَهُمَا نِصْفُ صَاعٍ. (وَسُنَّ إخْرَاجُ أُدُمٍ مَعَ) إخْرَاجِ (مُجْزِئٍ) مِمَّا سَبَقَ نَصًّا، وَإِخْرَاجُ بُرٍّ أَفْضَلُ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ إخْرَاجِ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ، وَتُجْزِئَانِ بِوَزْنِ الْحَبِّ، وَإِنْ أَخْرَجَهُمَا بِالْكَيْلِ زَادَ عَلَى كَيْلِ الْحَبِّ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ بِقَدْرِهِ وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْحَبَّ إذَا طُحِنَ تَوَزَّعَ. (وَلَا يُجْزِئُ بِهِ خُبْزٌ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْكَيْلِ وَالِادِّخَارِ؛ أَشْبَهَ الْهَرِيسَةَ (وَلَا يُجْزِئُ) فِي كَفَّارَةٍ (غَيْرُ مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةِ، وَلَوْ كَانَ) ذَلِكَ (قُوتَ بَلَدِهِ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ طُهْرَةٌ لِلْمُكَفَّرِ عَنْهُ، كَمَا أَنَّ الْفِطْرَةَ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ، فَاسْتَوَيَا فِي الْحُكْمِ. (وَيَتَّجِهُ) إنْ كَانَ قُوتُ بَلَدِهِ غَيْرَ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ؛ لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهُ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ بِإِخْرَاجِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ فِي الْفِطْرَةِ؛ فَلَمْ يَجُزْ غَيْرُهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قُوتَ بَلَدِهِ (إلَّا إنْ عُدِمَ) مَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ (فَيُجْزِئُ نَحْوُ ذُرَةٍ وَدُخْنٍ) وَأُرْزٍ وَكُلِّ مَا يُقْتَاتُ مِنْ حَبٍّ وَثَمَرٍ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفِطْرَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ (أَنْ يُغَدِّيَ الْمَسَاكِينِ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ) لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الصَّحَابَةِ إعْطَاؤُهُمْ، «وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِكَعْبٍ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ» وَلِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ تَمْلِيكُهُ لِلْفُقَرَاءِ شَرْعًا، أَشْبَهَ الزَّكَاةَ (بِخِلَافِ نَذْرِ إطْعَامِهِمْ) أَيْ: الْمَسَاكِينَ، فَيُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ؛ لِأَنَّهُ وَفَى بِنَذْرِهِ. (وَلَا) تُجْزِئُ (الْقِيمَةُ وَلَا) يُجْزِئُ (عِتْقٌ وَ) لَا (صَوْمٌ وَ) لَا (إطْعَامٌ إلَّا بِنِيَّتِهِ) بِأَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ جِهَةِ الْكَفَّارَةِ؛ لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَلِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ وَجْهُهُ فَيَقَعُ تَبَرُّعًا وَنَذْرًا وَكَفَّارَةً، فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْكَفَّارَةِ إلَّا النِّيَّةُ. (وَيَتَّجِهُ صِحَّتُهَا) أَيْ النِّيَّةِ (هُنَا) أَيْ: فِي الْكَفَّارَةِ فَقَطْ (مِنْ كَافِرٍ) وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ؛ لِتَوَقُّفِ الْإِجْزَاءِ عَلَيْهَا، فَلَوْ لَمْ نُصَحِّحْهَا مِنْهُ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الْكَفَّارَةِ وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ بِإِخْرَاجِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا تَكْفِي نِيَّةُ تَقَرُّبٍ فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْكَفَّارَةِ؛ لِتَنَوُّعِ التَّقَرُّبِ إلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ، وَمَحِلُّ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ اللَّيْلُ، وَفِي الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ يَسِيرًا (فَإِنْ كَانَتْ) عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ (وَاحِدَةٌ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْيِينُ سَبَبِهَا) بِنِيَّتِهِ، وَيَكْفِيهِ نِيَّةُ الْعِتْقِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْإِطْعَامِ عَنْ الْكَفَّارَةِ الَّتِي عَلَيْهِ؛ لِتَعَيُّنِهَا بِاتِّحَادِ سَبَبِهَا (وَيَلْزَمُهُ مَعَ نِسْيَانِهِ) أَيْ: سَبَبِهَا (كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) يَنْوِيهَا الَّتِي عَلَيْهِ (فَإِنْ عَيَّنَ) سَبَبًا (غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ السَّبَبِ الَّذِي وُجِدْت فِيهِ الْكَفَّارَةُ غَلَطًا أَوْ عَمْدًا، (وَسَبَبُهَا مِنْ جِنْسٍ يَتَدَاخَلُ بِهِ كَيَمِينٍ) بِاَللَّهِ أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ (وَظِهَارٍ) مِنْ إحْدَى زَوْجَاتِهِ (كُرِّرَا) أَيْ: الْيَمِينُ وَالظِّهَارُ مِرَارًا، فَنَوَى بِكَفَّارَتَيْهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقْت عَنْ يَمِينِ كَذَا أَوْ عَنْ الظِّهَارِ الَّذِي صَدَرَ مِنِّي فِي وَقْتِ كَذَا (أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ (عَنْ الْجَمِيعِ) أَيْ: جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ، لِتَدَاخُلِهَا (وَإِنْ كَانَتْ) عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ (أَسْبَابُهَا مِنْ جِنْسٍ لَا يَتَدَاخَلُ) كَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ بِكَلِمَاتٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِكَلِمَةٍ، فَنَوَى الْكَفَّارَةَ عَنْ ظِهَارِهِ مِنْ إحْدَاهُنَّ، أَجْزَأَهُ عَنْ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا بِأَنْ يَقُولَ: هَذِهِ عَنْ كَفَّارَةِ فُلَانَةَ، وَهَذِهِ عَنْ كَفَّارَةِ فُلَانَةَ، وَهَذِهِ عَنْ كَفَّارَةِ فُلَانَةَ، فَتَحِلُّ لَهُ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ فَأَجْزَأَتْهُ نِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَخْرُجُ بِقُرْعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ.
تَنْبِيهٌ:
فَإِنْ كَانَ الظِّهَارُ مِنْ ثَلَاثَةِ نِسْوَةٍ، فَأَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِ إحْدَاهُنَّ وَصَامَ عَنْ ظِهَارِ أُخْرَى لِعَدَمِ مَا يُعْتِقُهُ وَمَرِضَ فَأَطْعَمَ عَنْ ظِهَارِ أُخْرَى أَجْزَأَهُ لِمَا تَقَدَّمَ وَحَلَّ لَهُ الْجَمِيعُ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ وَلَا تَعْيِينٍ، لِأَنَّ التَّكْفِيرَ حَصَلَ عَنْ الثَّلَاثِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً أَعْبُدَ عَنْ الثَّلَاثَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً (أَوْ) كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ مِنْ (أَجْنَاسٍ كَظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَ) وَطْءٍ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَدَاءٍ (وَيَمِينٍ) بِاَللَّهِ تَعَالَى: (فَنَوَى إحْدَاهَا) أَيْ: الْكَفَّارَاتِ الْمُخْرِجُ (أَجْزَأَ عَنْ وَاحِدَةٍ) مِنْهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ لِإِجْزَائِهَا تَعْيِينُ سَبَبِهَا مِنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَاجِبَةٌ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ صِحَّةُ أَدَائِهَا إلَى تَعْيِينِ سَبَبِهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، (فـَ) لَوْ أَرَادَ (مُظَاهِرٌ مِنْ أَرْبَعِ نِسَائِهِ) بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ (فَأَعْتَقَ قِنًّا) وَاحِدًا (أَجْزَأَهُ عَنْ وَاحِدَةٍ) فَقَطْ (تَعَيَّنَ بِقُرْعَةٍ) لِأَنَّهَا لِإِخْرَاجِ الْمُبْهَمَاتِ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ مِنْ ظِهَارِ زَوْجَتَيْنِ أَوْ مِنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ، فَقَالَ: أَعْتَقْت هَذَا عَنْ هَذِهِ الزَّوْجَةِ وَهَذَا عَنْ هَذِهِ الْأُخْرَى أَوْ قَالَ: أَعْتَقْت هَذَا عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَهَذَا عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، أَوْ قَالَ: هَذَا عَنْ إحْدَى الْكَفَّارَتَيْنِ وَهَذَا عَنْ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَوْ أَعْتِقُهُمَا عَنْ الْكَفَّارَتَيْنِ مَعًا أَوْ قَالَ: أَعْتَقْت كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْهُمَا جَمِيعًا؛ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ.

.كِتَابُ اللِّعَانِ وَمَا يَلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ:

وَهُوَ مَصْدَرُ لَاعَنَ لِعَانًا، إذَا فَعَلَ مَا ذُكِرَ، أَوْ لَعَنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ مُشْتَقٌّ مِنْ اللَّعْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْعَنُ نَفْسَهُ فِي الْخَامِسَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: سُمِّيَ بِهِ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا، فَتَحِلُّ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، يُقَالُ: لَعَنَهُ اللَّهُ أَيْ: أَبْعَدَهُ، وَالْتَعْنَ الرَّجُلُ إذَا لَعَنْ نَفْسَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ اللِّعَانُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، قَالَ: لَاعَنَ امْرَأَتَهُ لِعَانًا وَمُلَاعَنَةً وَتَلَاعُنًا بِمَعْنَى لَاعَنَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا وَرَجُلٌ لُعَنَةٌ كَهُمَزَةٍ إذَا كَانَ يَلْعَنُ النَّاسَ كَثِيرًا، وَلَعْنَهُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ إذَا كَانَ يَلْعَنُهُ النَّاسُ وَشَرْعًا (شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِأَيْمَانٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَقْرُونَةٌ بِلَعْنٍ) مِنْ زَوْجٍ (وَغَضَبٍ مِنْ زَوْجَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّهِ لِقَذْفِ زَوْجَتِهِ مُحْصَنَةً، أَوْ قَائِمَةٌ مَقَامَ تَعْزِيرِهِ لِغَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ الْمُحْصَنَةِ أَوْ قَائِمَةٌ مَقَامَ (حَبْسِهَا هِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةِ إلَى أَنْ تُقِرَّ أَوْ تُلَاعِنُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الْآيَاتِ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ عِنْدَ مُنْصَرِفِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ تَبُوكَ فِي عُوَيْمِرِ الْعَجْلَانِيُّ أَوْ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمَا، وَلَمْ يَقَعْ بَعْدَهُمَا بِالْمَدِينَةِ إلَّا فِي زَمَنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يُبْتَلَى بِقَذْفِ امْرَأَتِهِ لِنَفْيِ الْعَارِ وَالنَّسَبِ الْفَاسِدِ، وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَجُعِلَ اللِّعَانُ بَيِّنَةً لَهُ، وَلِهَذَا «لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْشِرْ يَا هِلَالُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّه لَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا» (فَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِزِنًا، وَلَوْ) كَانَ قَذَفَهَا (بِطُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ) بِأَنْ قَالَ لَهَا: زَنَيْت فِي قُبُلِك أَوْ دُبُرِك (فَكَذَّبَتْهُ) أَيْ: الزَّوْجَ (لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ بِقَذْفِ أَجْنَبِيَّةٍ) مِنْ حَدٍّ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً أَوْ تَعْزِيرٍ إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، وَحُكِمَ بِفِسْقِهِ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} (وَيَسْقُطُ مَا لَزِمَهُ) بِقَذْفِهَا (بِتَصْدِيقِهَا) إيَّاهُ أَوْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَيْرَهَا؛ لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ وَلَوْ لَاعَنَ (وَحْدَهُ) وَلَمْ تُلَاعِنْ هِيَ لِإِسْقَاطِ جَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا لِمَنْ حُدَّ لِقَذْفٍ؛ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْجَلْدَةُ بِلِعَانِهِ، وَلِلزَّوْجِ إقَامَةُ (الْبَيِّنَةِ) عَلَيْهَا بِزِنَاهَا (بَعْدَ لِعَانِهِ) وَنَفْيِ الْوَلَدِ (وَيَثْبُتُ مُوجِبُهَا) أَيْ: الْبَيِّنَةِ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا. (وَصِفَتُهُ) أَيْ اللِّعَانِ (أَنْ يَقُولَ زَوْجٌ) أَوَّلًا (أَرْبَعًا بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ) أَوْ نَائِبِهِ (أَوْ مَنْ حَكَّمَاهُ) أَيْ: الْمُتَلَاعِنَانِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ قَاضِي الْإِمَامِ: (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَيُشِيرُ إلَيْهَا) إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، (وَلَا حَاجَةَ) مَعَ حُضُورِهَا وَالْإِشَارَةِ إلَيْهَا (لَأَنْ تُسَمَّى أَوْ تُنْسَبَ) كَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ اكْتِفَاءً بِالْإِشَارَةِ (إلَّا مَعَ غِيبَتِهَا، ثُمَّ يَزِيدُ فِي الْخَامِسَةِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا (ثُمَّ) تَقُولُ الزَّوْجَةُ (أَرْبَعًا: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَتَزِيدُ نَدْبًا فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِمَا تَقَدَّمَ، وَتُشِيرُ إلَيْهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا بِالْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا سَمَّتْهُ وَنَسَبَتْهُ، كَمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ تَزِيدُ فِي خَامِسَةٍ وَأَنَّ غَضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) وَإِنَّمَا خُصَّتْ هِيَ فِي الْخَامِسَةِ بِالْغَضَبِ لِأَنَّ النِّسَاءَ يُكْثِرْنَ اللَّعْنَ كَمَا وَرَدَ (فَإِنْ نَقَصَ لَفْظٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: جُمْلَةٌ مِنْ الْجُمَلِ الْخَمْسِ أَوْ مَا يُحْتَمَلُ بِهِ الْمَعْنَى (وَلَوْ أَتَيَا بِأَكْثَرِهِ، وَحَكَمَ) بِهِ (حَاكِمٌ) لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ أَتَى عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِعَدَدٍ، فَكَانَ وَاجِبًا كَسَائِرِ الْمُقَدَّرَاتِ بِالشَّرْعِ (أَوْ بَدَأَتْ) الزَّوْجَةُ (بِهِ) أَيْ: اللِّعَانِ (أَوْ قَدَّمَتْ الْغَضَبَ) بِأَنْ أَتَتْ بِهِ فِيمَا قَبْلَ الْخَامِسَةِ (أَوْ أَبْدَلَتْ) أَيْ: الْغَضَبَ (بِاللَّعْنَةِ أَوْ السَّخَطِ) لَمْ يَصِحَّ (أَوْ قَدَّمَ اللَّعْنَةَ) قَبْلَ الْخَامِسَةِ (أَوْ أَبْدَلَهَا بِالْغَضَبِ أَوْ الْإِبْعَادِ أَوْ أَبْدَلَ) أَحَدُهُمَا لَفْظَ (أَشْهَدُ بِأُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ) لَمْ يَصِحَّ؛ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ، أَوْ أَتَى زَوْجٌ بِهِ أَيْ: اللَّعَّانِ (قَبْلَ إلْقَائِهِ عَلَيْهِ) مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ نَائِبِهِ؛ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ قَبْلَ أَنْ يُحَلِّفَهُ الْحَاكِمُ، أَوْ أَتَى بِهِ قَبْلَ (طَلَبِهَا لَهُ بِالْحَدِّ) مَعَ عَدَمِ وَلَدٍ يُرِيدُ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ، لَمْ يَصِحَّ، أَوْ أَتَى بِهِ (بِلَا حُضُورِ حَاكِمٍ أَوْ نَائِبِهِ) لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ فِي دَعْوَى فَاحِشَةٍ؛ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَيْمَانِ فِي الدَّعَاوَى، أَوْ أَتَى بِهِ (بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْ يُحْسِنُهَا) مِنْهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْعَرَبِيَّةِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِهَا، كَأَذْكَارِ الصَّلَاةِ (وَلَا يَلْزَمُهُ) إنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ (تَعَلُّمُهَا مَعَ عَجْزٍ) عَنْ اللِّعَانِ بِهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ يُحْسِنُ لِسَانَهُمَا؛ أَجْزَأَ ذَلِكَ، وَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْضِرَ الْحَاكِمُ مَعَهُ أَرْبَعَةً يُحْسِنُونَ لِسَانَهُمَا لِأَنَّ الزَّوْجَةَ رُبَّمَا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا فَيَشْهَدُونَ عَلَى إقْرَارِهَا (وَيُتَرْجِمُ لِحَاكِمٍ) لَا يُحْسِنُ لِسَانَهُمَا (عَدْلَانِ) فَلَا يَكْفِي تُرْجُمَانٌ وَاحِدٌ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ (أَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ: اللِّعَانَ (بِشَرْطٍ، أَوْ عُدِمَتْ مُوَالَاةُ الْكَلِمَاتِ، لَمْ يَصِحَّ) اللِّعَانُ، لِمُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِلَفْظِهِ كَتَكْبِيرِ الصَّلَاةِ. (وَيَصِحُّ مِنْ أَخْرَسَ وَمِمَّنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ وَأَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ إقْرَارٌ) فَاعِلٌ يَصِحُّ (بِزِنًا) بِكِتَابَةٍ وَإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ، (وَ) يَصِحُّ مِنْهُمَا (لِعَانٌ بِكِتَابَةٍ وَإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ) لِقِيَامِهِمَا مَقَامَ نُطْقِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ (فَلَوْ نَطَقَ) مَنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ وَأَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ، (وَلَاعَنَ بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ وَأَنْكَرَ اللِّعَانَ) أَوْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ قَذْفًا وَلِعَانًا، (قُبِلَ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ حَدٍّ وَنَسَبٍ؛ فَيُحَدُّ) بِطَلَبِهَا إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً (وَيَلْحَقُهُ) النَّسَبُ (مَا لَمْ يُلَاعِنْ ثَانِيًا) فَإِنْ لَاعَنَ بَعْدَ نُطْقِهِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ وَنَفْيِ النَّسَبِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ خَرَسٌ قَبْلُ، وَ(لَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ (فِيمَا لَهُ مِنْ عَوْدِ زَوْجِيَّةٍ) فَلَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ؛ فَلَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ لَهُ (وَيُنْتَظَرُ مَرْجُوٌّ نُطْقُهُ) إنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ بَعْدَ قَذْفِ زَوْجَتِهِ إذَا أَرَادَ اللِّعَانَ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَإِنْ نَطَقَ فَلَا إنْكَارَ، وَإِلَّا لَاعَنَ بِالْكِتَابَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ الْمَفْهُومَةِ، أَوْ حُدَّ. (وَسُنَّ تَلَاعُنُهُمَا قِيَامًا) «لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: قُمْ فَاشْهَدْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ» وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ، فَيَبْدَأُ الزَّوْجُ فَيُلَقَّنُ وَهُوَ قَائِمٌ، فَإِذَا فَرَغَ قَامَتْ الْمَرْأَةُ فَالْتَعَنَتْ (بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ) لِحُضُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، حَضَرُوهُ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَضَرَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ، لِأَنَّ الصِّبْيَانَ إنَّمَا يَحْضُرُونَ تَبَعًا لِلرِّجَالِ؛ إذْ اللِّعَانُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيظِ لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ وَفِعْلُهُ فِي الْجَمَاعَةِ أَبْلَغُ فِي ذَلِكَ (وَأَنْ لَا يَنْقُصُوا عَنْ أَرْبَعَةِ) رِجَالٍ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزِّنَا الَّذِي شُرِعَ اللِّعَانُ مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الرِّضَى بِهِ أَرْبَعَةٌ (بِوَقْتٍ وَمَكَانٍ مُعَظَّمَيْنِ كَبَعْدِ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَبَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ بِمَكَّةَ، أَوْ عِنْدَ مِنْبَرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) بِالْمَدِينَةِ، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ (وَبِبَاقِي الْبِلَادِ بِالْمَسَاجِدِ) عِنْدَ الْمَنَابِرِ (وَتَقِفُ حَائِضٌ عِنْدَ بَابِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ لِلْعُذْرِ (وَيَأْمُرُ حَاكِمٌ نَدْبًا مَنْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فَمِ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَيَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّهَا الْمُوجِبَةُ، وَعَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: يَشْهَدُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأَمْسَكَ عَلَى فِيهِ، فَوَعَظَهُ، وَقَالَ: وَيْحَك: كُلُّ شَيْءٍ أَهْوَنُ عَلَيْك مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَقَالَ: لَعَنَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَأَمْسَكَتْ عَلَى فِيهَا فَوَعَظَهَا، وَقَالَ: وَيْلُك كُلُّ شَيْءٍ أَهْوَنُ عَلَيْك مِنْ غَضَبِ اللَّهِ أَخْرَجَهُ الْجُوزَجَانِيُّ، وَكَوْنُ الْخَامِسَةِ هِيَ الْمُوجِبَةُ أَيْ: اللَّعْنَةَ أَوْ الْغَضَبَ عَلَى مَنْ كَذَبَ مِنْهُمَا؛ لِالْتِزَامِهِ ذَلِكَ فِيهَا، وَكَوْنُ عَذَابِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ، لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ دَائِمٌ، وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ التَّخْوِيفُ، لِيَتُوبَ الْكَاذِبُ مِنْهُمَا. (وَيَبْعَثُ حَاكِمٌ إلَى) امْرَأَةٍ (خَفَرَةٍ) قَذَفَهَا زَوْجُهَا، وَأَرَادَ لِعَانَهَا (مَنْ) أَيْ: ثِقَةً (يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا) لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ وَالْخَفَرَةُ مَنْ تَتْرُكُ الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهَا صِيَانَةً مِنْ الْخَفَرِ، وَهُوَ الْحَيَاءُ. (وَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَيْنِ) لَهُ (فَأَكْثَرَ وَلَوْ) كَانَ قَذَفَهُنَّ (بِكَلِمَةٍ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِلِعَانٍ) لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَقْذِفْ غَيْرَهَا، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ أَيْمَانٌ؛ فَلَا تَتَدَاخَلُ كَالْأَيْمَانِ فِي الدُّيُونِ (وَيَبْدَأُ بِمُطَالَبَةٍ أَوَّلًا) لِتَرَجُّحِهِمَا بِالسَّبَقِ، (وَإِلَّا) تُطَالِبْ إحْدَاهُنَّ أَوَّلًا، وَلَا تَشَاحَحْنَ بَدَأَ بِلِعَانِ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، فَإِنْ طَالَبْنَ جَمِيعًا، وَتَشَاحَحْنَ (أَقْرَعَ) بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ بَدَأَ بِهَا، وَلَوْ بَدَأَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَعَ الْمُشَاحَّةِ عَنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ؛ صَحَّ اللِّعَانُ.

.فَصْلٌ: [شُرُوطُ اللِّعَانِ]:

(وَشُرُوطُهُ) أَيْ: اللِّعَانِ (ثَلَاثَةٌ) أَحَدُهَا (كَوْنُهُ بَيْنَ زَوْجَيْنِ، وَلَوْ قَبْلَ دُخُولٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ثُمَّ خَصَّ الْأَزْوَاجَ مِنْ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ (وَلَا يَتَنَصَّفُ مَهْرُ) زَوْجَةٍ لَاعَنَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: الْإِقْنَاعِ (هُنَا) أَيْ: فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي الصَّدَاقِ بِسُقُوطٍ كَالْفَسْخِ، وَعِبَارَتِهِ هُنَا، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ انْتَهَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ سُقُوطُ الصَّدَاقِ بِلِعَانٍ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ عَقِبَ لِعَانِهَا؛ فَهُوَ كَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ (مُكَلَّفَيْنِ) لِأَنَّهُ إمَّا يَمِينٌ أَوْ شَهَادَةٌ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا غَيْرِ بَالِغٍ؛ إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمَا، وَلَوْ كَانَا قِنَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ كَانَا فَاسِقَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا (أَوْ ذِمِّيَّيْنِ) أَوْ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ أَمَتِهِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَيُعَزَّرُ خِلَافًا لِلْبُهُوتِيِّ هُنَا؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا تَعْزِيرَ مَعَ أَنَّهُ يَأْتِي فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ مِنْ قَذَفَ قِنَّهُ عُزِّرَ (فَيُحَدُّ) الْقَاذِفُ (بِقَذْفِ أَجْنَبِيَّةٍ، بِزِنًا، وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ) قَذْفِهِ لَهَا، وَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ بِلِعَانٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ فِي غَيْرِ حَالِ الزَّوْجِيَّةِ. (أَوْ قَالَ لَهَا) أَيْ: لِزَوْجَتِهِ (زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَك) فَيُحَدُّ لِلْقَذْفِ، وَلَا لِعَانَ، لِإِضَافَتِهِ إلَى حَالٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ زَوْجَةً وَيُفَارِقُ قَذْفَ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، لِأَنَّهَا خَانَتْهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى نَفْيِهِ، وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَهَا- وَهُوَ يَعْلَمُ زِنَاهَا- فَهُوَ مُفَرِّطٌ فِي نِكَاحِ حَامِلٍ مِنْ زِنًا؛ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ طَرِيقٌ إلَى نَفْيِهِ (كَمَنْ أَنْكَرَ قَذْفَ زَوْجَتِهِ مَعَ بَيِّنَةٍ) عَلَيْهِ بِقَذْفِهَا؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ قَذْفَهَا فَكَيْف يَحْلِفُ عَلَى إثْبَاتِهِ؟ أَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِقَذْفِهَا فَلَا يُلَاعِنُ، لِعَدَمِ تَأَتِّي حَلِفُهُ عَلَى إثْبَاتِ مَا يُعْرَفُ بِكَذِبِهِ فِيهِ. (وَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَ) امْرَأَةً (أَجْنَبِيَّةً) أَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَرَجُلًا أَجْنَبِيًّا بِكَلِمَتَيْنِ (فَعَلَيْهِ حَدَّانِ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَدٌّ (إلَّا إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً) عَلَى صِدْقِ مَا قَالَهُ، فَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّ الْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، أَوْ بِالتَّصْدِيقِ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً (أَوَّلًا عَنْ الزَّوْجَةِ) أَوْ صَدَّقَتْهُ؛ خَرَجَ مِنْ حَدِّهَا، وَكَذَا إنْ قَذَفَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُلَاعِنْ، وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً- وَلَا تَصْدِيقَ- فَحَدٌّ وَاحِدٌ، لِأَنَّ الْقَذْفَ وَاحِدٌ. وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَا زَانِيَةَ بِنْتَ الزَّانِيَةِ، فَقَدْ قَذَفَهَا وَأُمَّهَا بِكَلِمَتَيْنِ؛ فَعَلَيْهِ لَهُمَا حَدَّانِ، فَإِنْ حُدَّ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَحُدَّ لِلْأُخْرَى حَتَّى يَبْرَأَ جِلْدُهُ مِنْ حَدِّ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ زَجْرُهُ، لَا هَلَاكُهُ. (وَمَنْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ) الْأَمَةَ (فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَا يُمْكِنُ) كَوْنُهُ (مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ) كَإِتْيَانِهَا بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ مَلَكَهَا، وَعَاشَ (فَلَهُ نَفْيُهُ بِلِعَانٍ) لِأَنَّهُ مُضَافٌ لِحَالِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِلَّا بِأَنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ كَأَنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مُنْذُ مَلَكَهَا (لَمْ يَنْفِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْهُ (وَيُعَزَّرُ) زَوْجٌ (بِقَذْفِ زَوْجَةٍ صَغِيرَةٍ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا أَوْ مَجْنُونَةٍ) لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَنْحَطُّ عَنْ دَرَجَةِ النَّسَبِ، وَهُوَ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ؛ فَكَذَا هُنَا (وَلَا لِعَانَ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ يَمِينٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ مِنْ وَلِيِّهَا أَوْ غَيْرِهِ، فَيُقَيِّمُهُ الْحَاكِمُ بِلَا طَلَبٍ إذَا رَآهُ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلتَّأْدِيبِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةٌ يُوطَأُ مِثْلُهَا كَابْنَةِ تِسْعٍ فَصَاعِدًا؛ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ كَسَائِرِ الْمُحْصَنَاتِ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَا بِالتَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّشَفِّي؛ فَلَا تَدْخُلُهُ الْوِلَايَةُ كَالْقِصَاصِ وَلَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ حَتَّى تَبْلُغَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ الزَّوْجُ بَعْدَ طَلَبِهَا أَسْقَطَ الْحَدَّ بِاللِّعَانِ، كَمَا لَوْ قَذَفَهَا إذَنْ. وَإِنْ قَذَفَ الْمَجْنُونَةَ وَأَضَافَهُ إلَى حَالِ إفَاقَتِهَا، أَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ عَاقِلَةٌ ثُمَّ جُنَّتْ؛ فَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ، فَإِذَا أَفَاقَتْ، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَلِلزَّوْجِ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، وَإِنْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ وَهُوَ طِفْلٌ، لَمْ يُحَدَّ، لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبٌ، لِعَدَمِ إمْكَانِ لُحُوقِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بُلُوغُهُ (وَكُلُّ مَوْضِعٍ) قُلْنَا (لَا لِعَانَ فِيهِ؛ فَالنَّسَبُ لَاحِقٌ) بِالزَّوْجِ، لِعَدَمِ مَا يَنْتَفِي بِهِ، وَيَجِبُ بِالْقَذْفِ مُوجِبُهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ؛ لِعُمُومِ {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} , فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا فَلَا حُكْمَ لِقَذْفِهِ كَسَائِرِ كَلَامِهِ وَإِنْ أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ، فَنَسَبُهُ لَاحِقٌ بِهِ، لِعُمُومِ حَدِيثِ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يُفِقْ مَجْنُونٌ) قَذَفَ حَالَ جُنُونِهِ، وَيُذْكَرُ صُدُورُ الْقَذْفِ مِنْهُ؛ فَلَهُ نَفْيُ الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ؛ كَمَا لَوْ قَذَفَهَا حِينَئِذٍ، وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يَقْذِفُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ إذْ بَعْدَ إفَاقَتِهِ مِنْ الْجُنُونِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقَلَاءِ (وَيُلَاعِنُ) زَوْجٌ (مَنْ قَذَفَهَا) زَوْجَةً (ثُمَّ أَبَانَهَا) بَعْدَ الْقَذْفِ لِإِضَافَتِهِ إلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ (أَوْ قَالَ) لَهَا أَنْتِ (طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا) لِسَبْقِ الْقَذْفِ الْإِبَانَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبِينُ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا، (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ) لَاعَنَ لِنَفْيِ وَلَدٍ (أَوْ قَذَفَهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) أَوْ قَالَ لَهَا: (زَنَيْت قَبْلَ إبَانَتِك، لَاعَنَ لِنَفْيِ وَلَدٍ) إنْ كَانَ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ (حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَذْفِهَا، لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْأُولَى لِئَلَّا يَلْحَقَهُ وَلَدُهَا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَجْنَبِيَّاتِ.
(وَ) إنْ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ (قَذَفْتنِي قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَنِي) وَقَالَ الرَّجُلُ: بَلْ قَذَفْتُك بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجْتُك فَقَوْلُهُ (أَوْ) قَالَتْ: قَذَفْتنِي (بَعْدَ أَنْ أَبَنَتْنِي) وَقَالَ: بَلْ قَبْلَ أَنْ أَبِينَك (فَقَوْلُهُ) لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْقَذْفِ، فَكَذَا فِي وَقْتِهِ. وَإِنْ قَالَتْ أَجْنَبِيَّةٌ: قَذَفْتنِي قَالَ: كُنْت زَوْجَتِي حِينَئِذٍ، فَأَنْكَرَتْ الزَّوْجِيَّةَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا، (وَ) إنْ قَالَ لَهَا: (قَذَفْتُك حَالَ جُنُونِي) فَأَنْكَرَتْ- وَلَا بَيِّنَةَ- وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَالٌ يُعْلَمُ فِيهَا زَوَالُ عَقْلِهِ؛ (فـَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهَا) مَعَ يَمِينِهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، وَلَا قَرِينَةَ تُرَجِّحُ قَوْلَهُ، وَإِنْ عُرِفَ جُنُونُهُ، وَلَمْ تُعْرَفْ لَهُ حَالُ إفَاقَةٍ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (وَإِنْ عُلِمَ لَهُ حَالَانِ) أَيْ حَالُ إفَاقَةٍ وَجُنُونٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَذَفَهَا فِي جُنُونِهِ فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَجْهَانِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ. الشَّرْطُ (الثَّانِي سَبَقَ قَذْفَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (بِزِنًا، وَلَوْ فِي دُبُرٍ) لِأَنَّهُ قَذْفٌ يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، وَسَوَاءٌ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ نَصًّا؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ؛ (كَقَوْلِهِ: زَنَيْت أَوْ يَا زَانِيَةُ أَوْ رَأَيْتُك تَزْنِينَ) أَوْ زَنَى فَرْجُك، فَإِنْ لَمْ يَقْذِفْهَا، فَلَا لِعَانَ، لِلْآيَةِ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: لَيْسَ وَلَدُك مِنِّي أَوْ قَالَ مَعَهُ وَلَمْ تَزْنِي، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي، أَوْ لَا أَقْذِفُك، أَوْ وُطِئْت بِشُبْهَةٍ، أَوْ) وُطِئْت (مُكْرَهَةً، أَوْ) وُطِئْت (نَائِمَةً، أَوْ) وُطِئْت (مَعَ إغْمَاءٍ، أَوْ) وُطِئْت (مَعَ جُنُونٍ، لَحِقَهُ) الْوَلَدُ (حُكْمًا، وَلَا لِعَانَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْهَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ. وَإِنْ قَالَ: وَطِئَك فُلَانٌ بِشُبْهَةٍ، وَكُنْت عَالِمَةً؛ فَلَهُ اللِّعَانُ، وَنَفْيُ الْوَلَدِ اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ (وَمَنْ أَقَرَّ بِإِحْدَى تَوْأَمَيْنِ) وَنَفَى الْآخَرَ، أَوْ سَكَتَ عَنْهُ (لَحِقَهُ) التَّوْأَمُ (الْآخَرُ) إنْ أَتَتْ بِهِ (لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ وَضَعْهَا التَّوْأَمَ الْأَوَّلَ، لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ مِنْهُ وَبَعْضُهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِهِ، لَا لِنَفْيِهِ، وَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ بِنَفْيِ مَا أَقَرَّ بِهِ تَبَعًا لِلَّذِي نَفَاهُ، بَلْ حُكِمَ بِثُبُوتِ نَسَبِ مَنْ نَفَاهُ تَبَعًا لِمَنْ أَقَرَّ بِهِ، وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُ التَّوْأَمِ الْآخَرِ إنْ أَتَتْ بِهِ (فَوْقَهَا) أَيْ: فَوْقَ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ (إلَّا بِإِقْرَارٍ) مِنْهُ أَنَّهُ وَلَدُهُ (وَيُلَاعِنُ مَعَ قَذْفٍ لِنَفْيِ حَدٍّ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُ انْتِفَاءُ زِنَاهَا؛ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ الزِّنَا نَفْيُ الْوَلَدِ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ؛ لَمْ يَنْتَفِ الْوَلَدُ بِذَلِكَ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ أَنْ تُكَذِّبَهُ) الزَّوْجَةُ فِي قَذْفِهَا (وَيَسْتَمِرُّ) تَكْذِيبُهَا (إلَى انْقِضَاءِ اللِّعَانِ) لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُكَذِّبْهُ لَا تُلَاعِنْهُ، وَالْمُلَاعَنَةُ إنَّمَا تَنْتَظِمُ مِنْهُمَا (فَإِنْ صَدَّقَتْهُ) فِيمَا قَذَفَهَا بِهِ وَلَوْ مَرَّةً، أَوْ عَفَتْ عَنْ الطَّلَبِ بِحَدِّ الْقَذْفِ (أَوْ سَكَتَتْ) فَلَمْ تُقِرَّ؛ وَلَمْ تُنْكِرْ؛ لَحِقَهُ النَّسَبُ، وَلَا لِعَانَ (أَوْ ثَبَتَ زِنَاهَا بـِ) شَهَادَةِ (أَرْبَعَةٍ سِوَاهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (أَوْ قَذَفَ مَجْنُونَةً بِزِنًا قَبْلَهُ) أَيْ: جُنُونِهَا؛ لَحِقَهُ النَّسَبُ، وَلَا لِعَانَ (أَوْ) قَذَفَ (مُحْصَنَةً فَجُنَّتْ) قَبْلَ لِعَانٍ (أَوْ) قَذَفَ (خَرْسَاءَ أَوْ) قَذَفَ (نَاطِقَةً، فَخَرِسَتْ)، وَلَمْ تُفْهِمْ إشَارَتُهَا (أَوْ) قَذَفَ (صَمَّاءَ، لَحِقَهُ النَّسَبُ) لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَإِنَّمَا يُنْفَى عَنْهُ بِاللِّعَانِ، وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ- وَلَا حَدَّ- لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ أَوْ عَدَمِ الطَّلَبِ (وَلَا لِعَانَ) لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ يُشْرَعُ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ حَدٌّ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ، وَنَفْيُ الْوَلَدِ تَابِعٌ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ لَا مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ تَنْبِيهٌ: وَإِنْ كَانَ تَصْدِيقُهَا قَبْلَ لِعَانِهِ؛ فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِلْحَدِّ؛ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ، وَلَا لِنَفْيِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ إنَّمَا يَكُونُ بِلِعَانِهِمَا مَعًا، وَقَدْ تَعَذَّرَ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ تَصْدِيقُهَا بَعْدَ لِعَانِهِ؛ تُلَاعِنُ هِيَ لِإِقْرَارِهَا. (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (قَبْلَ تَتِمَّتِهِ) أَيْ؛ اللِّعَانِ (تَوَارَثَا؛ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ) لِأَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يُوجَدْ، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ (وَلَا لِعَانَ) لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ مِنْ الْمَيِّتِ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ لَكِنْ إنْ كَانَتْ قَدْ طَلَبَتْ فِي حَيَاتِهَا فَإِنَّ أَوْلِيَاءَهَا يَقُومُونَ فِي الطَّلَبِ بِهِ مَقَامَهَا، لِأَنَّهُ يُورَثُ عَنْهَا إذَنْ؛ فَإِنْ طُولِبَ بِالْحَدِّ فَلَهُ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ قَالَ الْقَاذِفُ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ أُقِيمُهَا، أُمْهِلَ الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةَ لِيُحْضِرَهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ، فَإِنْ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ، وَشَهِدَتْ فَلَا حَدَّ، فَإِنْ قَامَ رَجُلَيْنِ بِتَصْدِيقِهَا لَهُ؛ ثَبَتَ التَّصْدِيقُ؛ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ زِنَاهَا إلَّا بِإِقْرَارِ أَرْبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ؛ أَوْ أَتَى بِهَا غَيْرَ كَامِلَةٍ؛ حُدَّ لِلْقَذْفِ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ (وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ؛ فَلَهُ لِعَانُهَا وَنَفْيُهُ) بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِتَحَقُّقِ شُرُوطِ اللِّعَانِ بِدُونِ الْوَلَدِ (وَإِنْ لَاعَنَ) زَوْجٌ (وَنَكَلَتْ) عَنْهُ زَوْجَتُهُ (حُبِسَتْ حَتَّى تُلَاعِنَ، أَوْ تُقِرَّ أَرْبَعًا بِالزِّنَا) فَإِنْ أَقَرَّتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِالزِّنَا، فَإِنَّهَا تُحَدُّ (مَا لَمْ تَرْجِعْ) عَنْ إقْرَارِهَا، لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْحَدِّ مَقْبُولٌ.

.فَصْلٌ: [ما يَثْبُتُ بالتَّلَاعُنِ]:

(وَيَثْبُتُ بِتَمَامِ تَلَاعُنِهَا أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ) أَحَدُهَا (سُقُوطُ الْحَدِّ) عَنْهَا وَعَنْهُ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُحْصَنَةً (أَوْ التَّعْزِيرِ) إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً (حَتَّى) يَسْقُطَ عَنْهُ (حَدُّ) رَجُلٍ (مُعَيَّنٍ قَذَفَهَا بِهِ) كَقَوْلِهِ زَنَيْت بِفُلَانٍ (وَلَوْ أَغْفَلَهُ) أَيْ: أَغْفَلَ الرَّجُلَ الَّذِي قَذَفَهَا بِهِ، بِأَنْ لَمْ يَذْكُرْ (وَقْتَ لِعَانٍ) لِأَنَّ اللِّعَانِ بَيِّنَةٌ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِاتِّفَاقٍ، فَكَانَ بَيِّنَةً فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ كَالشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّهُ بِهِ حَاجَةٌ إلَى قَذْفِ الزَّانِي لِمَا أَفْسَدَ عَلَيْهِ مِنْ فِرَاشِهِ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِهِ لِيَسْتَدِلَّ بِشَبَهِ الْوَلَدِ الْمَقْذُوفِ عَلَى صِدْقِ قَاذِفِهِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك فَقَالَ هِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك فَقَالَ هِلَالٌ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا فَجَاءَ هِلَالٌ، فَشَهِدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ثُمَّ قَامَتْ؛ فَشَهِدَتْ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، فَقَالُوا: إنَّهَا مُوجِبَةٌ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُنْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» رَوَاه الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيَّ فَأُسْقِطَ الْحَدُّ بِاللِّعَانِ مَعَ تَعْيِينِ قَذْفِهَا بِهِ (فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنَ) الزَّوْجُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ الَّذِي قَذَفَهَا بِهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ؛ وَأَيُّهُمَا طَالَبَ حُدَّ لَهُ وَحْدَهُ، دُونَ مَنْ لَمْ يُطَالِبْهُ، فَإِنْ طَالِبَاهُ مَعًا (لَزِمَهُ حَدَّانِ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَدُّ الْحُكْمِ. (الثَّانِي الْفُرْقَةُ) بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ (وَلَوْ بِلَا فِعْلِ حَاكِمٍ) بِأَنْ لَمْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَلَاعِنَانِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قَالَ: لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا رَوَاهُ سَعِيدٌ وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ؛ فَلَمْ يَقِفْ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَالرَّضَاعِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ وُقِفَتْ عَلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ لَفَاتَ تَرْكُ التَّفْرِيقِ إذَا لَمْ يَرْضَيَا بِهِ كَالتَّفْرِيقِ لِلْعَيْبِ وَالْإِعْسَارِ وَتَفْرِيقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا بِمَعْنَى إعْلَامِهِمَا بِحُصُولِ الْفُرْقَةِ؛ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ تَمَامِ تَلَاعُنِهِمَا، لِأَنَّهَا بَانَتْ فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ كَالْمُخْتَلِعَةِ وَأَوْلَى، وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِمَا، وَيَكُونُ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِمَعْنَى إعْلَامِهِ لَهُمَا حُصُولَ الْفُرْقَةِ بِنَفْسِ التَّلَاعُنِ، لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَفْرِيقِ الْحُكْمِ. (الثَّالِثُ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ) لِقَوْلِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» رَوَاه الْجُوزَجَانِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، فَلَا تَحِلُّ الْمُلَاعِنَةُ لِلْمُلَاعِنِ (وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَوْ كَانَتْ أَمَةً، فَاشْتَرَاهَا) أَيْ: بَعْدَ اللِّعَانِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ كَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ، وَلِأَنَّ الْمُطَلِّقَ ثَلَاثًا إذَا اشْتَرَى مُطَلَّقَةً، لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ؛ فَهُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ مُؤَبَّدُ الْحُكْمِ. (الرَّابِعُ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ) عَنْ الْمُلَاعِنِ (وَيُعْتَبَرُ لَهُ) أَيْ: نَفْيُ الْوَلَدِ (ذَكَرَهُ) صَرِيحًا فِي اللِّعَانِ (كـَ) قَوْلِهِ (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ زَنَيْتُ وَمَا هَذَا وَلَدِي) وَيُتِمُّ اللِّعَانَ (وَتَعْكِسُ هِيَ) فَتَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ الْوَلَدُ وَلَدُهُ وَتُتِمُّ لِأَنَّهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَكَانَ ذِكْرُ الْوَلَدِ مِنْهَا شَرْطًا فِي اللِّعَانِ كَالزَّوْجِ (أَوْ ذِكْرُهُ تَضَمُّنًا كَقَوْلِ) زَوْجٍ (مُدَّعٍ زِنَاهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، وَأَنَّهُ اعْتَزَلَهُمَا حَتَّى وَلَدَتْ) هَذَا الْوَلَدَ (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا ادَّعَيْتُهُ عَلَيْهَا أَوْ رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ زِنًا) وَتَعْكِسُ هِيَ (فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ) أَيْ: الْوَلَدَ فِي اللِّعَانِ لَا صَرِيحًا وَلَا تَضَمُّنًا (لَمْ يَنْتِفْ) احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ (إلَّا بِلِعَانٍ ثَانٍ، وَيَذْكُرُهُ) أَيْ: يَذْكُرُ نَفْيَهُ صَرِيحًا أَوْ تَضَمُّنًا لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْقَصْدَ بِهِ سُقُوطُ الْحَدِّ، وَنَفْيُ الْوَلَدِ تَابِعٌ. (وَإِنْ نَفَى حَمْلًا) قَبْلَ وَضْعِهِ، لَمْ يَصِحَّ نَفْيُهُ، لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامٌ إلَّا فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَا يَنْتَفِي حَتَّى يُلَاعِنَهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَيَنْفِي الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رِيحًا أَوْ غَيْرِهَا، فَيَصِيرُ نَفْيُهُ مَشْرُوطًا بِوُجُودِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ اللِّعَانِ بِشَرْطِ وُجُودِ الْحَمْلِ (أَوْ اسْتَلْحَقَهُ) أَيْ: الْحَمْلَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ؛ وَهَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ (أَوْ لَاعَنَ عَلَيْهِ) مَعَ ذِكْرِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْتِعَانُهُ (بَعْدَ وَضْعِ تَوْأَمِهِ، لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْوَضْعُ (وَيُلَاعِنُ) قَاذِفٌ وَحَامِلٌ (أَوَّلًا لِدَرْءِ حَدٍّ، وَثَانِيًا بَعْدَ وَضْعٍ لَنَفْيِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ وُجُودُهُ. (وَلَوْ نَفَى) شَخْصٌ (حَمْلَ أَجْنَبِيَّةٍ) غَيْرَ زَوْجَتِهِ (لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّ نَفْيَهُ مَشْرُوطٌ بِوُجُودِهِ، وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ اللِّعَانُ عَلَيْهِ (كَتَعْلِيقِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ (قَذْفًا بِشَرْطٍ كَأَنْتِ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ إلَّا قَوْلَهُ: أَنْتِ زَانِيَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ فَقَذْفٌ وَ) قَوْلُهُ لَهَا: (زَنَيْتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا) يَكُونُ قَذْفًا، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ؛ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْوَصْفِ، فَلَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقُ، وَالْجُمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ تَقْبَلُهُ؛ كَقَوْلِهِمْ لِلضَّعِيفِ: طِبْت إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيَكُونُ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ التَّبَرُّكَ وَالتَّفَاؤُلَ بِالْعَافِيَةِ. (وَشُرِطَ لِنَفْيِ وَلَدٍ بِلِعَانٍ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَهُ) أَيْ: اللِّعَانَ (إقْرَارٌ بِهِ) أَيْ: بِالْوَلَدِ الَّذِي يُرِيدُ نَفْيَهُ (أَوْ إقْرَارٌ بِتَوْأَمِهِ أَوْ إقْرَارٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ الْإِقْرَارِ بِهِ (كَمَا لَوْ نَفَاهُ وَسَكَتَ عَنْ تَوْأَمِهِ، أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَسَكَتَ أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَأَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ أَوْ أَخَّرَ نَفْيَهُ مَعَ إمْكَانِهِ) أَيْ: النَّفْيِ بِلَا عُذْرٍ؛ لَحِقَهُ نَسَبُهُ، وَامْتَنَعَ نَفْيُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ دَلِيلُ الْإِقْرَارِ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَّرَهُ (رَجَاءَ مَوْتِهِ بِلَا عُذْرٍ) لَحِقَهُ نَسَبُهُ قَرِيبًا غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ؛ فَتَعْلِيقُ النَّفْيِ عَلَيْهِ تَعْلِيقٌ عَلَى أَمْرٍ مَوْهُومٍ، (وَإِنْ أَخَّرَهُ لِنَحْوِ جُوعٍ وَعَطَشٍ وَنَوْمٍ وَلَيْلٍ) فَلَهُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ وَيَنَامَ وَيُصْبِحَ وَيَنْتَشِرَ النَّاسُ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْهُ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِتَقْدِيمِهِ، فَإِنْ أَخَّرَ نَفْيَهُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ إعْرَاضِهِ عَنْ نَفْيِهِ (وَإِنْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِالْوَلَدِ) وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ، قُبِلَ، (أَوْ) قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ (أَنَّ لِي نَفْيَهُ أَوْ) لَمْ أَعْلَمْ (أَنَّهُ) أَيْ نَفْيُهُ (عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ) قُبِلَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهُ بِأَنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ مَعَهَا فِي الدَّارِ، وَادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِأَنَّ لَهُ نَفْيَهُ، وَهُوَ فَقِيهٌ، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (أَوْ) قَالَ: أَخَّرْت نَفْيَهُ، لِأَنِّي (لَمْ أَثِقْ بِمُخْبِرِي) بِأَنَّهُ وَلَدٌ (وَكَانَ) الْمُخْبِرُ (غَيْرَ مَشْهُورِ الْعَدَالَةِ) وَالْخَبَرُ غَيْرُ مُسْتَفِيضٍ؛ لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ مَشْهُورَ الْعَدَالَةِ، أَوْ كَانَ الْخَبَرُ مُسْتَفِيضًا، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نَفْيُهُ، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَدَمَ تَصْدِيقِ الْمُخْبِرِ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (أَوْ أَخَّرَهُ) أَيْ: النَّفْيَ (لِعُذْرٍ كَحَبْسٍ وَمَرَضٍ وَغَيْبَةٍ وَحِفْظِ مَالٍ؛ لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ) وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ وَهُوَ غَائِبٌ، وَأَمْكَنَهُ السَّفَرُ، فَاشْتَغَلَ بِهِ لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ؛ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ عَنْهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: لَكِنَّ قِيَاسَ مَا تَقَدَّمَ فِي الشُّفْعَةِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ لِأَنَّ السَّيْرَ لَا يَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ وَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِوِلَادَتِهِ بِلَا حَاجَةٍ؛ سَقَطَ تَعَيُّنُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ رِضَاهُ بِهِ. (وَمَتَى أَكْذَبَ) النَّافِي (نَفْسَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ) الْوَلَدَ (حُدَّ لِ) زَوْجَةٍ (مُحْصَنَةٍ، وَعُزِّرَ لِغَيْرِهَا) كَذِمِّيَّةٍ أَوْ رَقِيقَةٍ سَوَاءٌ كَانَ لَاعَنَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ دَرَأَتْ عَنْهُ الْحَدَّ أَوْ التَّعْزِيرَ، فَإِذَا أَقَرَّ بِمَا يُخَالِفُهُ بَعْدَهُ، سَقَطَ حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى حَقِّ غَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَرَّتْ بِهِ. (وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً) بِزِنَاهَا بَعْدَ أَنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ؛ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِتَحَقُّقِ مَا قَالَهُ- وَقَدْ أَقَرَّ بِكَذِبِ نَفْسِهِ- فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ خِلَافَهُ (وَلَحِقَهُ نَسَبُهُ وَلَوْ) كَانَ الْوَلَدُ (مَيِّتًا) لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ (وَتَوَارَثَا) لِأَنَّ الْإِرْثَ تَابِعٌ لِلنَّسَبِ- وَقَدْ ثَبَتَ- فَتَبِعَهُ الْإِرْثُ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا لَهُ وَلَدٌ أَوْ تَوْأَمٌ أَوْ لَا، وَلَا يُقَالُ هُوَ مِنْهُمْ- إذَا كَانَ الْوَلَدُ غَنِيًّا- فِي أَنَّ غَرَضَهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدَّعِي النَّسَبَ، وَالْمِيرَاثُ تَبَعٌ وَالتُّهْمَةُ لَا تَمْنَعُ لُحُوقَ النَّسَبِ، كَمَا لَوْ كَانَ الِابْنُ حَيًّا غَنِيًّا وَالْأَبُ فَقِيرًا وَاسْتَلْحَقَهُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيَنْجَرُّ النَّسَبُ) أَيْ: نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ (جِهَةَ الْأُمِّ لِجِهَةِ الْأَبِ) الْمُكَذِّبِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ نَفْيِهِ (كـَ) انْجِرَارِ (وَلَاءٍ) مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ بِعِتْقِ الْأَبِ (وَتَرْجِعُ) مُلَاعِنَةٌ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مُلَاعِنٍ اسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ بَعْدَ أَنْ نَفَاهُ (بِمَا أَنْفَقَتْهُ) لِأَنَّهَا إنَّمَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ تَظُنُّهُ أَنَّهُ لَا أَبَا لَهُ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ (وَلَا يَلْحَقُهُ) أَيْ: الْمُلَاعِنَ نَسَبُ وَلَدٍ، نَفَاهُ وَمَاتَ (بِاسْتِلْحَاقِ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ نَسَبًا قَدْ نَفَاهُ عَنْهُ؛ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ نَسَبَهُ انْقَطَعَ بِنَفْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ، لِتَقَرُّرِهِ بِالْعِلْمِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى قَوْلِهِ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ غَيْرِهِ بِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ. (وَالتَّوْأَمَانِ الْمَنْفِيَّانِ) بِلِعَانٍ (أَخَوَانِ لِأُمٍّ) فَقَطْ (فَلَا يَتَوَارَثَانِ بِإِخْوَةِ أُبُوَّةِ) لِانْتِفَاءِ النَّسَبِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَتَوْأَمَيْ الزِّنَا (وَمَنْ) وَضَعَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ وَلَدَتْ فَلَيْسَ بِتَوْأَمٍ لِمَا قَبْلَهُ (لَا) إنْ كَانَ (بَيْنَهُمَا) أَيْ: الْأَوَّلِ وَالثَّانِي (سِتَّةُ أَشْهُرٍ) فَقَطْ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَقَلَّ (فـَ) هُمَا (تَوْأَمَانِ، وَمَنْ نَفَى مَنْ) أَيْ: وَلَدًا (لَا يَنْتَفِي) كَمَنْ أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِقْرَار بِهِ كَمَنْ هُنِّئَ بِهِ، فَأَمَّنَ؛ أَوْ سَكَتَ وَنَحْوَهُ (وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ زِنًا، حُدَّ إنْ لَمْ يُلَاعِنْ) لِنَفْيِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنَةً وَلَهُ دَرْءُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ. فَصْلٌ فِيمَا يُلْحَقُ بِالنَّسَبِ وَفِيمَا لَا يُلْحَقُ بِهِ (مَنْ أَتَتْ زَوْجَتُهُ) بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ وَهُوَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ (بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ أَيْ: سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا وَلَوْ مَعَ غَيْبَتِهِ (فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ مَعَ غَيْبَةِ عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْقَاذِفَةِ، وَعَلَيْهِ نُصُوصُ أَحْمَدَ هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَالْمُرَادُ وَيَخْفَى مَسِيرُهُ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيقِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ وَفِي الْوَسِيلَةِ والِانْتِصَارِ وَلَوْ أَمْكَنَ وَلَا يَخْفَى السَّيْرُ كَأَمِيرٍ وَتَاجِرٍ كَبِيرٍ وَمَثَّلَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بِالسُّلْطَانِ وَالْحَاكِمِ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ مِثْلُهُ لَمْ يُقْضَ بِالْفِرَاشِ وَهُوَ مِثْلُهُ وَنَقَلَ حَرْبٌ أَوْ غَيْرُهُ فِي وَالٍ وَقَاضٍ لَا يُمْكِنُ يَدَعُ عَمَلَهُ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ لَحِقَهُ (وَلَا يَنْقَطِعُ الْإِمْكَانُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ) (بـِ) خُرُوجِ دَمٍ يُشْبِهُ دَمَ (حَيْضٍ) قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ دَمَ فَسَادٍ (أَوْ) أَتَتْ بِهِ (لَا دُونَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا) زَوْجُهَا وَلَمْ تُخْبِرْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرْءِ. (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (ابْنَ عَشْرِ) سِنِينَ (فِيهَا) أَيْ: فِيمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا، أَوْ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا (لَحِقَهُ نَسَبُهُ) مَا لَمْ يَنْفِهِ بِاللِّعَانِ؛ لِحَدِيثِ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ». وَلِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَقَدَّرْنَاهُ بِعَشْرِ سِنِينَ فَمَا زَادَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» فَأَمْرُهُ بِالتَّفْرِيقِ دَلِيلٌ عَلَى إمْكَانِ الْوَطْءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْوِلَادَةِ وَلِأَنَّ تَمَامَ عَشْرِ سِنِينَ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْبُلُوغُ، فَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ كَالْبَالِغِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَابْنَهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا اثْنَا عَشَرَ عَامًا (وَمَعَ هَذَا) أَيْ: مَعَ لُحُوقِ النَّسَبِ بِابْنِ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ (لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْبُلُوغِ يَسْتَدْعِي يَقِينًا؛ لِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ مِنْ التَّكَالِيفِ؛ وَوُجُوبِ الْغَرَامَاتِ؛ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ مَعَ الشَّكِّ، وَإِنَّمَا أَلْحَقْنَا الْوَلَدَ بِهِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ احْتِيَاطًا. (وَلَا يَكْمُلُ بِهِ) أَيْ: بِإِلْحَاقِ النَّسَبِ إلَيْهِ (مَهْرٌ) إذَا لَمْ يَثْبُتْ الدُّخُولُ أَوْ الْخَلْوَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ؛ فَلَا نُثْبِتُهُ عَلَيْهِ بِدُونِ ثُبُوتِ سَبَبِهِ الْمُوجِبِ لَهُ (وَلَا يَثْبُتُ بِهِ) أَيْ: بِإِلْحَاقِ النَّسَبِ إلَيْهِ (عِدَّةٌ وَلَا رَجْعَةٌ) كَأَنَّ النَّسَبَ الْمُوجِبَ لَهُمَا غَيْرُ ثَابِتٍ (وَلَا) يَثْبُتُ بِإِلْحَاقِ النَّسَبِ (تَحْرِيمُ مُصَاهَرَةٍ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ مُوجِبِهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَوْنُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مِنْهُ) أَيْ الزَّوْجِ (كَأَنْ أَتَتْ بِهِ) لِدُونِ سَنَةٍ مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا، وَعَاشَ لَمْ يَلْحَقْ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ، فَإِنْ مَاتَ، أَوْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا؛ لَحِقَهُ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ، (أَوْ) أَتَتْ بِهِ (لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا) لَمْ يَلْحَقْهُ؛ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا، إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهَا حَامِلًا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ. (أَوْ أَقَرَّتْ الْبَائِنُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرْءِ، ثُمَّ وَلَدَتْ فَوْقَ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ عِدَّتِهَا الَّتِي أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا بِالْقُرْءِ لَمْ يَلْحَقْهُ لِإِتْيَانِهَا بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُ؛ فَلَمْ نُلْحِقْهُ بِهِ، كَمَا لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَالْإِمْكَانُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ الْعِدَّةِ لَا بَعْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ سَبَبٌ، وَمَعَ وُجُودِ السَّبَبِ يُكْتَفَى بِالْإِمْكَانِ، فَإِذَا انْتَفَى السَّبَبُ وَآثَارُهُ انْتَفَى الْحُكْمُ بِالْإِمْكَانِ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ آخِرِ أَقْرَائِهَا وَعَاشَ؛ لَحِقَ بِزَوْجٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهَا لَمْ تَحْمِلْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، بَلْ إنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ زَمَنَ رُؤْيَةِ الدَّمِ؛ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّمُ حَيْضًا؛ فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِهِ. (أَوْ فَارَقَهَا حَامِلًا فَوَضَعَتْ ثُمَّ) وَلَدَتْ (آخَرَ بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ) لَمْ يَلْحَقْهُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُمَا حَمْلًا وَاحِدًا، فَعُلِمَ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِالثَّانِي بَعْدَ الزَّوْجِيَّةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ) أَيْ: الزَّوْجُ (لَمْ يَجْتَمِعْ بِزَوْجَتِهِ) زَمَنَ زَوْجِيَّةٍ (كَأَنْ تَزَوَّجَهَا بِمَحْضِ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَبَانَهَا) بِالْمَجْلِسِ (أَوْ مَاتَ) الزَّوْجُ (بِالْمَجْلِسِ) لَمْ يَلْحَقْهُ؛ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ. (أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (وَقْتُ عَقْدٍ مَسَافَةً لَا يَقْطَعُهَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي وَلَدَتْ فِيهَا) كَمَغْرِبِيٍّ تَزَوَّجَ بِمَشْرِقِيَّةٍ، فَوَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لَمْ يَلْحَقْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ إمْكَانُ الْوَطْءِ فِي هَذَا الْعَقْدِ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالُ تَقْدِيرِ عِدَّةِ مَسَافَةٍ لِمَشْيٍ مُعْتَادٍ) بِشَيْلِ الْأَثْقَالِ وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ؛ وَلَا عِبْرَةَ بِمَشْيِ خَيْلِ الْبَرِيدِ وَنَحْوِهَا (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) أَيْ: الزَّوْجَ (لَوْ رُئِيَ بِالْبَلَدِ كُلَّ يَوْمٍ) لَمْ يُفَارِقْ مِنْهَا (وَهِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةُ (بِمَحَلٍّ بَعِيدٍ) عُرْفًا بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ وُصُولُ الزَّوْجِ عَادَةً إلَيْهَا (فَهُوَ كَمَنْ أَبَانَهَا بِمَحْضَرِ حَاكِمٍ أَوْ) أَبَانَهَا (بِالْمَجْلِسِ) أَيْ: مَجْلِسِ الْعَقْدِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدٍ أَتَتْ بِهِ لِلْعِلْمِ حِسًّا وَنَظَرًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يُكْمِلْ لَهُ عَشْرَ) سِنِينَ (أَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ مَعَ أُنْثَيَيْهِ، لَمْ يَلْحَقْهُ) نَسَبُهُ؛ لِاسْتِحَالَةِ الْإِيلَاجِ وَالْإِنْزَالِ مِنْهُ (وَيَلْحَقُ) النَّسَبُ زَوْجًا (عِنِّينًا وَمَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ) فَقَطْ لِإِمْكَانِ إنْزَالِهِ، وَ(لَا) يَلْحَقُ مَنْ قُطِعَ (أُنْثَيَاهُ) فَقَطْ جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي والنَّظْمِ قَالَ الْمُنَقَّحُ: هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُقُ مِنْ مَائِهِ وَلَدٌ عَادَةً وَلَا وُجِدَ ذَلِكَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ مَعَ أُنْثَيَيْهِ (خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ) مِنْ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. (أَوْ) وَلَدَتْ رَجْعِيَّةٌ (بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ طَلَّقَهَا أَوْ مُنْذُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) سَوَاءٌ أَخْبَرَهُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرْءِ أَوْ لَا وَلَا يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهُ فِي الْبَائِنِ لَا فِي الرَّجْعِيَّةِ (لَحِقَهُ نَسَبُهُ) بِالْمُطَلِّقِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ؛ أَشْبَهَ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ. (وَمَنْ فَارَقَهَا) زَوْجُهَا (فَاعْتَدَّتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ لَحِقَ بـِ) زَوْجٍ (ثَانٍ مَا وَلَدَتْهُ لِنِصْفِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَلْحَقُهُ بِالثَّانِي (مَعَ مُضِيِّ مُدَّةٍ) يُمْكِنُ فِيهَا قَطْعُ (الْمَسَافَةِ) الَّتِي بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ (وَإِلَّا) تَمْضِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا قَطْعُ الْمَسَافَةِ كَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ فِي بَلْدَةٍ نَائِيَةٍ عَنْ بَلَدِ الزَّوْجَةِ (فـَ) النَّسَبُ (لِ) لِزَوْجِ (الْأَوَّلِ) لَاحِقٌ بِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا لَوْ وُطِئَتْ امْرَأَتُهُ) بِشُبْهَةٍ (أَوْ) وُطِئَتْ (أَمَتُهُ بِشُبْهَةٍ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ) فَاعْتَزَلَهَا حَتَّى أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالْوَاطِئِ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْهُ، وَيَنْتَفِي عَنْ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ.
(وَ) إنْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ (فـَ) الْوَلَدُ (لِ) لِوَاطِئِ (الْأَوَّلِ) لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ (وَإِنْ أَنْكَرَ وَاطِئٌ الْوَطْءَ فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَيَلْحَقُ نَسَبُ الْوَلَدِ بِالزَّوْجِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ (وَإِنْ اشْتَرَكَا) أَيْ: الزَّوْجُ وَالْوَاطِئُ بِالشُّبْهَةِ (فِي وَطْئِهَا فِي طُهْرٍ) وَاحِدٍ (فَأَتَتْ بِمَا) أَيْ: وَلَدٍ (يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا أُرِيَ الْقَافَةَ) فَمَنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ مِنْهُمَا لَحِقَ بِهِ، فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِالْوَاطِئِ لَحِقَهُ، وَلَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِتَعَذُّرِ اللِّعَانِ مِنْهُ؛ لِفَقْدِ الزَّوْجِيَّةِ، وَانْتَفَى عَنْ الزَّوْجِ بِغَيْرِ لِعَانٍ، لِأَنَّ إلْحَاقَ الْقَافَةِ كَالْحُكْمِ؛ وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِالزَّوْجِ؛ لَحِقَ بِهِ، وَلَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِقَوْلِ الْقَائِفِ، وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ لَحِقَ بِهِمَا، لِإِمْكَانِهِ (لَا أَنَّهُ) يَلْحَقُ لِلزَّوْجِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي طُهْرٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا، لَحِقَ الزَّوْجَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ انْتَهَى وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
تَتِمَّةٌ:
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُوجَدُ قَافَةٌ، أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ، لَحِقَ الزَّوْجَ، لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَإِنْ أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ، فَادَّعَى أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ وَكَانَتْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ بَانَتْ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لَمْ يَلْحَقْ الْوَلَدُ بِالْأَوَّلِ؛ لِمَا سَبَقَ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي لَمْ يَلْحَقْ الْوَلَدُ أَيْضًا بِهِ حَيْثُ عَاشَ؛ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ، وَيَنْتَفِي نَسَبُ الْوَلَدِ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ وَضْعُهَا لَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا، فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهَا فِرَاشُهُ، وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ؛ فَلَحِقَهُ. (وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِثَانٍ) وَوَضَعَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي، وَالْأَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ (وَلَمْ يَعْلَمْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ) عُرِضَ عَلَى الْقَافَةِ مَعَهُمَا، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَحِقَ بِمَنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِالْأَوَّلِ انْتَفَى عَنْ الزَّوْجِ بِغَيْرِ لِعَانٍ؛ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِالزَّوْجِ انْتَفَى عَنْ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ كَمَا سَبَقَ. تَنْبِيهٌ وَيُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْقَائِفِ وَذُكُورِيَّتُهُ وَكَثْرَةُ إصَابَتِهِ، وَلَا تُعْتَبَرُ حُرِّيَّتُهُ كَالشَّاهِدِ، وَيَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ مَا يَقُولُهُ، فَهُوَ كَالْحَاكِمِ، وَلَا يَبْطُلُ قَوْلُ الْقَافَةِ بِقَوْلِ قَافَةٍ أُخْرَى، وَلَا بِإِلْحَاقِ غَيْرِهِ، كَمَا لَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِحُكْمِ غَيْرِهِ وَلَا بِإِبْطَالِهِ.